
الوزير عصام نعمان
ما أن اعتمد مجلس الأمن الدولي بقراره تاريخ 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025 خطةَ الرئيس الأميركي دونالد ترامب ببنودها العشرين لوقف إطلاق النار وبسط الاستقرار في قطاع غزة حتى باشر كيان الاحتلال الصهيوني سلسلةَ اعتداءات برية وجوية على مجمل الأراضي اللبنانية من جنوبها الى شمالها بدعوى ضرورة تدمير مواقع وأسلحة حزب الله (بما هو العمود الفقري لقوى المقاومة) مع انه كان التزم، بعد موافقة الحكومة اللبنانية، اتفاقَ وقف الأعمال العدائية الذي رعته الولايات المتحدة ولم تلتزم به “إسرائيل” على الإطلاق.
نجم عن هذه الاعتداءات الإسرائيلية حتى الآن:
احتلال خمس تلال تشرف على مجمل منطقة جنوب نهر الليطاني.
تدمير القرى الحدودية من الناقورة غرباً الى شبعا شرقاً، ومنع أهاليها من العودة إليها لترميمها.
نزوح عشرات الآلاف من السكان الى شماليّ نهر الليطاني، وهجرة الآلاف ايضاً الى خارج البلاد.
اتخاذ مجلس الوزراء قراراً في 5 آب/ أغسطس2025 يقضي بحصر السلاح بيد الدولة فقط.
احتدام الجدال بين القوى المحافظة المؤيدة لأميركا والمطالِبة بالإسراع في نزع سلاح حزب الله، والقوى السياسية الوطنية المؤيدة للمقاومة والمعارضة لنزع سلاحها في وقتٍ يحتلّ العدو أراضيَ لبنانية، ويستمر في اعتداءاته اليومية على الشعب والوطن والسيادة.
إزاء تظاهرات احتجاجية حاشدة عمّت شتى دول العالم وضغوطٍ مارستها دول عربية وإسلامية على الولايات المتحدة، اتصل ترامب بنتنياهو طالباً اليه التخفيف من اعتداءاته على لبنان والتجاوب مع دعوة الرئيس جوزاف عون الى سلوك طريق التفاوض، داعياً إياه لزيارته في واشنطن قبل أعياد الميلاد ورأس السنة.
بالرصد الدقيق والتحليل الموضوعي للواقعات والتحوّلات السائدة في لبنان وفلسطين وكيان الاحتلال ومختلف دول الإقليم ذات الصلة بالصراع العربي ـ الصهيوني، تتضح الحقائق الآتية:
يعارض رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب وغالبية النواب والقوى السياسية الفاعلة في لبنان نزعَ سلاح المقاومة بالقوة، وذلك تفادياً لاندلاع حربٍ أهلية.
الجيش اللبناني، بقيادته وضباطه، غير راغب وغير قادر على نزع سلاح المقاومة بالقوة ليس لأسباب ودوافع وطنية فحسب بل لأنه يفتقر الى السلاح والعتاد اللازمين للقيام بهذه المهمة الخطيرة، لا سيما أنّ الولايات المتحدة وسائر دول الغرب الأطلسي ترفض رفضاً باتاً تسليح الجيش او السماح بتسليحه من مصادر أخرى متاحة.
تعافي حزب الله من الخسائر البشرية والعسكرية التي تكبّدها خلال السنة الحالية الموشكة على الانتهاء. صحيح انه لم يستكمل بعد كامل قدراته التي كانت له قبل استشهاد قائده التاريخي السيد حسن نصرالله ومجموعةٍ من كبار قادته وبعض أسلحته الثقيلة، إلا انه لا يزال يحتفظ بمعظم أسلحته المتطورة، ولولاها لما كان أصرّ على التمسّك بسلاحه وتصميمه على مواجهة العدو المعتدي.
يشكّ خبراء عسكريون داخل كيان الاحتلال وخارجه في قدرة الجيش الإسرائيلي المنهك على احتلال جنوب لبنان والبقاء فيه، وإنْ كانوا يسلّمون بقدرته على التدمير والتخريب والتهجير والتجويع.
تبدو تركيا مصرّة على المشاركة في قوة الاستقرار الدولية المنوط بها المحافظة على الأمن داخل قطاع غزة وذلك لمنع نتنياهو من تصفية قوات “حماس” في الأنفاق خلال تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب. والأرجح انّ تركيا وسائر الدول الإسلامية المشاركة في قوة الاستقرار الدولية لن تشارك في نزع سلاح “حماس” وحلفائها او في تدمير أنفاقها.
يتحصّل من عرض الحقائق سالفة الذكر كما من المعلومات المسرّبة من كبار المسؤولين اللبنانيين وضيوفهم من المسؤولين الدوليين أنّ مستقبل الوضع في قطاع غزة يتوقّف على قرار ترامب الذي حرص على استدعاء نتنياهو للقائه في فلوريدا ليبلغه قراره الأخير بضرورة تنفيذ المرحلة الثانية من خطته والسير بهندسةٍ سياسية وإقتصادية للقطاع تخدم أغراض الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، وتتيح لنتنياهو هامشاً من حرية الحركة لخدمة مصالحه السياسية على نحوٍ يضمن فوزه وحلفاءه في الانتخابات بالخريف المقبل.
وعليه، ثمة ثمانية أشهر فاصلة من الصراع الشديد قبل أن يتضح مصير لبنان وقطاع غزة، فكيف تراها تتصرف أطراف الصراع، لا سيما قوى المقاومة على الصعيدين الديبلوماسي والميداني في كِلا البلدين؟
أرى أنّ الولايات المتحدة و”إسرائيل” وحلفاءهما سيركّزون جهودهم على الصعيد الديبلوماسي فيما ستركّز قوى المقاومة وحلفاؤها في لبنان على الصعيدين الديبلوماسي والميداني معاً. ترامب سيسعى أيضاً الى إنهاء الحرب في قطاع غزة وإحلال الاستقرار من خلال “مجلس السلام” الذي سيترأسه شخصياً بالتعاون مع طوني بلير بغية منع العودة الى العنف بواسطة قوة الأمن والاستقرار المؤلفة من دول شتى تراعي السياسة الأميركية في منطقة غرب آسيا، أيّ بما يشمل السعودية وتركيا وإيران. ذلك قد يتطلّب عدم تجريد “حماس” من السلاح كلياً او تعطيل الأنفاق شريطةَ عدم عرقلتها سيطرة أميركا على القطاع، لا سيما اقتصادياً. “حماس”، من جهتها، ستراعي سياسة أميركا طيلة فترة المفاوضات شريطةَ عدم مساسها او “إسرائيل” بحق الشعب الفلسطيني ونضاله من أجل تحرير الضفة الغربية وتوحيدها مع القطاع في دولةٍ مستقلة بالتعاون مع الدول العربية والإسلامية ذات الصلة.
قوى المقاومة وحلفاؤها السياسيون سيركّزون على هدفين معاً: حصر التفاوض داخل لجنة الإشراف “ميكانيزم” بالأمور التقنية الإجرائية فقط المتعلقة بوقف الأعمال العدائية، وبرمجة انسحاب “إسرائيل” الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة، واستعادة الأسرى. في المقابل، ستتعهّد قوى المقاومة بتجميد عملياتها ضدّ العدو طالما المفاوضات حول الأمور الثلاثة سالفة الذكر ناشطة، لكنها لن تتوانى عن الردّ على “إسرائيل” إذا تابعت اعتداءاتها. وهي ستصرّ على عدم بحث مسألة حصرية السلاح بيد الدولة في المفاوضات لكونها مسألة داخلية تحت طائلة وقف التفاوض في حال إصرار أميركا و”إسرائيل” على بحث الموضوع.
إلى ذلك، قد تقوم قوى المقاومة من تلقاء نفسها بالتواصل مع السعودية وإيران وتركيا من أجل تأمين الدعم السياسي والدبلوماسي اللازمين لسحب قوات الاحتلال الإسرائيلي من الضفة الغربية ولبنان وسورية، وكذلك من أجل مقاضاة كيان الاحتلال لدى محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية بغية معاقبة مجرمي الحرب الإسرائيليين وحلفائهم، والحكم على الجناة بالتعويضات المناسبة.
الخلاصة: لا مؤشرات واضحة الى نجاح ترامب وسائر أطراف الصراع في التوصل الى تسوية مقبولة. فالصراع الديبلوماسي والميداني طويل ومعقد ومصيري.
نائب ووزير سابق